لطالما اشتقتُ إليها كثيرًا،
وتمنَّيت أن أراها وأعيش بداخلها؛
فهي غالية عزيزة المنال.
لأجلها طار نومي، هجرتُ فِراشي،
سهرتُ الليلَ انشغالاً بها، فلما طال شوقي إليها، ناجيتُها، وقلْتُ:
أي حبيبتي، هل لي أن أراك؟
وبعد صمتٍ رهيب ردَّت عليَّ بكلِّ عِزَّة وأنَفَة:
هل سعيتَ لكي تراني؟
فتخلَّل الخوف بداخلي رهبةً من ألاَّ تقبلني،
فقلت لها وكُلِّي شغف وشوق: أنا لغيرك ما سعيتُ، فأنتِ أغلى ما تمنيت.
فقصصتُ عليها شعوري نحوها، وقلتُ لَكَم شجاني حُبُّك كثيرًا،
فأبكاني أن أُحْرَمَ منك ولا أراك.
قالت: حُبُّك وشوقك لي لا يكفي، يتمنَّاني الكثيرون،
ولكني لست لهم؛ مهري غالي، فكم دفعتَ؟ وماذا فعلتَ؟
فقلتُ: تركتُ كلَّ ما اشتهيته من أجلك:
شهواتي، مَلذَّاتي؛ لكي أتلذَّذَ بمتاعك أنت،
كم كنتُ أدعو ربي أن يوفِّقني لرؤيتك،
إليك فرَّ العاشقون؛ ليفوزوا بكِ،
وفيكِ تنافس المتنافسون،
فأنتِ يا جنَّةَ الفردوس أغلى ما تمنَّيتُ.
إنها جَنَّةُ الفِردوس،
دار الخُلد التي عَجزَ عن وصفها الواصفون،
فيها ما لا عين رأتْ، ولا أُذنٌ سمعت، ولا خَطرَ على قلبِ بشر.
قال تعالى: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}
[السجدة:17].
فتعالَوا معي نذهب معًا في رحلة ممتِعة إلى جَنَّة الفِردوس،
نعيش فيها لحظاتٍ صادقةً، علَّنا نسكن فيها إلي الأبد.
بناؤها لَبِنَة من ذهب، ولَبِنَة من فِضَّة،
أمَّا التُّراب الذي تمشي عليه، فهو الزعفران ذو الرائحة العَطِرة،
وحصاها لؤلؤ وياقوت، يا الله!
والآن اخرج معي من عَناء الدنيا إلى نعيم الجنة،
ولنطرق الباب؛ لتنظر إلى القصر المعدِّ لك،
أنت تجلس الآن في قصر تَجري من تحته الأنهار،
نهر من الماء، ونهر من اللبن، ونهر من الخمر، ونهر من العسل،
لا تتغيَّر، حُلوة المذاق،
حتى العسل مُصفًّى،
و بذلك قال – تعالى -:
{مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آَسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى} [محمد:15].
والأشجار فيه تتمايلُ عليك؛ لتأكل من ثمارها،
لا تَعبَ هناك ولانَصبَ، فيها ما تشتهيه الأنفس،
ما أن تطأ قدمُك الجنة مع أفواج المؤمنين،
إذ بحفلة استقبال ملائكيَّة ترحِّب بقدومك وسلامة وصولك،
وفى مقدِّمتهم رِضوان خازن الجنان.
قال - تعالى –:
{وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} [الزمر:73] .
إلى من ساروا
على درب يوسف - عليه السلام -
إلى أصحاب العِفَّة والحياء،
أبشروا، فلا والله ما ضاع صبركم
على شهوات الدنيا هباءً، فمن ترك شيئًا لله،
عوَّضه الله خيرًا منه في الدنيا والآخرة
وأخيرًا:
كيف يحرص عاقل على لذَّة فانية ويترك اللذة الباقية؟!
بعد هذه الرحلة الممتعة،
ها قد عدنا إلى الدنيا مرةً أخرى،
عندنا الفرصة، فماذا نحن غانمون؟
دمتم اخوتي بحفظ الرحمن
الموضوع الاصلي : ~ شجــــــــانــي حـــــــبــــــهـــا ~ المصدر : كافية ايجى سوبر